آخر خطب أ.د. إبراهيم سلقيني رحمه الله التي حُذِفَت من كل النت

خطبة “نحن أمة الخلود” آخر خطبة خطبها عمي أ.د. إبراهيم سلقيني رحمه الله تعالى قبل وفاته في جامع أبي حنيفة النعمان في حي الشهباء بحلب يتاريخ: 19\رمضان\1432هـ – الموافق لـ 19\آب\2011م، والتي تم حذفها من كل صفحات النت، وهي هنا على موقعين، وفيها مسودة لتحضير الخطبة بخط المؤلف رحمه الله تعالى…
الفيديو على أحد الروابط التالية:

نص الخطبة:
الحمد لله…
الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأراضين حيثما توجه الإنسان وأينما استقر.
الحمد لله العلي القادر، العزيز القاهر، الخبير الذي لا ينسى، الحكيم الذي لا يضل.
الحمد لله الذي نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له؛ الملك الحق المبين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله؛ الصادق الوعد الأمين، صلى الله تعالى عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأولاده وخلفائه الراشدين المرشدين، الهادين المهديين من بعده: سيدنا أبي بكر، وسيدنا عمر، وسيدنا عثمان، وسيدنا علي، وعلى باقي الصحابة والقرابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون:
إن النظام الذي يمد ظله على الناس، ويُكْتَبُ له الخلود والبقاء، ويتلقاه الناس بالرضى والقبول، هو النظام الذي تقوم مبادئه على تحقيق الكرامة الإنسانية، قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)، ولم يقل كرمنا العرب، أو كرمنا المسلمين، أو كرمنا الرجال أو النساء، أو كرمنا الأغنياء أو الفقراء، أو التجار، أو العمال، أو الفلاحين، أو البيض أو السود.
وتقوم مبادئه أيضاً على تحقيق المساواة بين الناس جميعاً ، لا تمييز ولا تفريق، لأن الناس خالقهم واحد، وهو الله تبارك وتعالى، وطينتهم واحدة وهي التراب، (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
أيها الناس؛ إن الرب واحد، وإن الأب واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
كما تقوم مبادئه أيضاً على تحقيق الحرية لكل إنسان، متى استعبدتم الناس.. (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). وعلى مبدأ تحرير الإنسان من كل عبودية لغير الله تبارك وتعالى، جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.. من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
وعلى مبدأ تحقيق العدل بين الناس جميعاً بلا تمييز ولا تفريق, (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
كما جاءت مبادؤه متناسقة مع فطرة الإنسان، فلا تقاوم ميوله ولاغرائزه بل تفتح المجالات لإشباعها وإروائها، ولكن بالأساليب الصحيحة التي تحقق لها النفع والاستمرار، ويجعلها تبني ولا تهدم، وتصون ولا تبدد (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) .. ذلك الدين القيم .. (ولكن أكثر الناس لا يعلمون). نعم لا يعلمون.
أيها الإخوة والأخوات، هذا الإسلام بمبادئه التي أشرت إلى بعض عناوينها، جعل من هذه الأمة كلما عملت بهذه المبادئ خير أمة أخرجت للناس، جعل منها أمة الخلود..
خَلَدْنَا بنبل حضارتنا، وسبقنا الأمم في المجد بروائع بطولاتنا، وقدوة في سلوكنا وتعاملنا مع الأخرين.
نحن أمة الخلود، أي أمة في الدنيا تضاهينا حينما نطبق إسلامنا؟ أعلنا الحرية يوم كانت الأمم ترسف في قيود العبودية.. ونشرنا العلم يوم كانت العقول مغلقة بأغلال الجاهلية.. وأقمنا العدل يوم كانت فارس والروم تسخّران الشعوب لمطامعهما الحربية.
نحن أمة الخلود؛ بذلنا المال في المكارم حين كان يجمعه غيرنا من المظالم، وصنّا الأعراض وجميع الحرمات حين كان غيرنا يروي ظمأه من دم الشعوب.
نحن أمة الخلود؛ جباهنا تخضع لله وحده، وتعلو عمّن سواه، وقلوبنا تهوى الجمال وتنفر من كل سيء وقبيح، وعقولنا تؤمن بالحق، وترفض كل باطل، وأيدينا؛ يدٌ مع الله تبارك وتعالى وأخرى مع الناس.
نحن أمة الخلود؛ نؤمن بالدين لنرفع به الدنيا، ونعمل للدنيا لنخدم بها الدين، ونجمع بين الدين والدنيا، لنكون في الحياة سعداء وفي الآخرة من الخالدين.
نحن أمة الخلود؛ أجسامنا في الأرض، وأرواحنا في السماء، وقلوبنا مع الله نراقبه في كل أعمالنا وحركاتنا وتصرفاتنا، وعقولنا مع الأنبياء والعلماء المخلصين، آخينا بين العلم والدين، وجمعنا بين الدنيا والآخرة، وحكمنا فلم ننسى أبداً مبادئ إسلامنا.
نحن أمة الخلود؛ لأطفالنا مروءة الرجال، ولرجالنا كرامة الأبطال، ولأبطالنا صفات الخالدين، ولنسائنا عطر الأزاهير وطهر الملائكة، وسحر الطبيعة في فجر الربيع.
نحن أمة الخلود؛ نحن يحكم نظامُنا الدنيا، ويملؤها أمناً وسلاماً ومحبةً وإيخاءً وإيثارً، وتعصف بنا النكبات فنستقبلها صبراً وابتساماً، ويراد لنا الذل فنثيرها حرباً ضراماً، ويعتدى علينا في الأرض فنجعلها فوق المعتدين أطلالاً وركاماً.
نحن أمة الخلود؛ نغنى فلا نبطر، ونقوى فلا نتجبر، نضعف فلا نذل، ونصاب فلا نيأس، ونستشهد فلا نبكي ولا نصرخ.
نحن أمة الخلود؛ دماء شبابنا عندنا عطر الشباب والرجال، وسهام الأعداء في صدورنا أوسمة العزاء والكمال، وخوض المنايا في سبيل الله تعالى أغنية النساء والأطفال.
نحن أمة الخلود؛ لمواكب الشهداء عندنا أفراح وأعراس، ولرصاص الأعداء في أبداننا موسيقى وإيقاع، وللمعارك الحمر تُرَبِّينا أمهاتنا في الأسِرة والمهود، نحن أمة الخلود.
(إن الله إشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون)، وقال تبارك وتعالى أيضاً :(فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) .. ( من المؤمنين رجالٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا).
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنبٍ كان بالله مصرعي
ولست مبد للعدو تخشعاً، ولا جزعاً, إني إلى الله مرجعي
غداً نلقى الأحبة…محمداً وصحبه .
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى.
==================
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله سيد الخلائق والبشر؛ الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه المصابيح الغرر، ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر.
أما بعد عباد الله؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله العلي حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، وتزودوا من دنياكم لآخرتكم عملاً يرضاه، واعلموا أنه لا يضر وينفع ويصل ويقطع ويفرق ويجمع ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع إلا الله.
واعلموا أن الله سبحانه أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكة قدسه، فقال وعز من قائل مخبراً وآمراً: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).
اللهم فصل وبارك وسلم على سيدنا محمد ما تعاقبت الأوقات.
اللهم أيد الإسلام والمسلمين، وانصر وأعل يا مولانا كلمة الحق والدين، وبدد اللهم كلمة الكفرة والفسقة والملحدين..
اللهم عليك بكل ظالم وخائن وباغ ومعتد يخون الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.. اللهم عليك بيهود فلسطين، ومن أعانهم ونصرهم يا رب العالمين.. اللهم عليك بأعداء الإسلام جميعاً فإنهم لا يعجزونك.. اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.. اللهم اجعلهم وأموالهم وعتادهم وسلاحهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين.. اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفقه لكل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شراً فخذه أخذ عزيز مقتدر.. اللهم من ولي من أمور المسلمين شيئاً فنصح لهم فسدده ووفقه يا رب العالمين، ومن ولي من أمور المسلمين شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه.. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيء الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.. اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسوله، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم.. اللهم علمك بحالنا يكفيك عن سؤالنا.. يا مفرج كرب المكروبين، فرج عنا وعن المسلمين في كل بقاع الأرض ما هم فيه يا رب العالمين.. يا أرحم الراحمين.. يا غياث المستغيثين.. يا أمان الخائفين.. يا رب العالمين.. اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أن تردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن تدفع عنا كل شر وضرر يا رب العالمين..
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا مولانا سميع قريب مجيب الدعوات.. اللهم إنا دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا. والحمد لله رب العالمين.
عباد الله؛ (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون).

اكتب رداً