مدونات الجزيرة: عولمة الصراع الفكري.. صراع فكري أم صراع مع الفراعنة؟!!

رابط المقال:
http://blogs.aljazeera.net/Blogs/2017/7/11/%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%A3%D9%85-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D9%86%D8%A9

كلما خطوت باتجاه توسيع دائرة خطابك كلما بدأ أعداء الحرية وأعداء العقل والفكر بإعلان الحرب عليك ومحاصرتك إعلامياً؛ لأنهم لا يملكون الفكر الكافي لمحاصرتك فكرياً. فالحقيقة أنه لا يوجد «صراع حضارات»؛ لأن الحضارات تتحاور وتتناقش وتتلاقح، ونلاحظ هذا في شعوب البلقان والقوقاز وماليزيا وغيرهم ممن سأل عن الإسلام بعقل، ووجد أنه يأمر بالحق والعدل، فدخلوا في الإسلام بالملايين دون قتال ودون صراع. وإنما الصراع بين أصحاب الحضارات والفراعنة (محليين ودوليين)، وليس بين حضارتين ولا حضارات كما يدعي منظرو الدكتاتورية!
فالفراعنة وأعوانهم يرفضون الحضارات؛ لأنها تَحُدُّ من نفوذهم وتسلطهم واستعبادهم للخلق، وهذا بدوره يُضْعِف مصادر دخلهم المالي. وهذا تشهد له وقائع تاريخية مستفيضة:
1- كسر إبراهيم عليه السلام الأصنام، وعلق الفأس على رقبة كبيرهم.. لم يكن مشهد الأصنام المحطمة، والمعبد الذي يشبه الأطلال البائدة إلا بداية للمواجهة الفكرية.. كان ذلك الفعل دافعٌ لإعمال العقل، والكارثة وكل الأزمات وصراع الهوية يبدأ عندما يتحرك العقل.. وعندما استدعوا إبراهيم عليه السلام للتحقيق: (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا). وهذه الجملة مفادها: (فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) الأنبياء:63. لعله هو الفاعل! كيف نسأله وهو لا يجيب؟! والأخرس كيف يملك الضر والنفع؟! وإن ملك الضر والنفع فلماذا لم يدافع عن رفاقه؟! بل لماذا لم يدافعوا هم عن أنفسهم؟! وإذا كان هو الفاعل فهل هو صراع طبقات اجتماعية للآلهة أم صراع سلطة بينها؟! وعمن ندافع نحن؟!! عن النظام البائد أم النظام الحالي لننال غضب الآخر؟!
بجملة واحدة بدأ الصراع، لكنه ليس صراع حضارات كما يدعي «هملتون»، وإنما صراع بين أرباب العقل وأرباب النفوذ والسلطة. كنا في حوار فكري هادئ ليس له جواب! فلماذا تغيرت لغة الحوار إلى: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) الأنبياء:68، مع أن التهمة لم تثبت بعد. المعادلة بسيطة وسهلة جداً: إذا لم يحصل تصادم بين أصحاب العقول وأهل السلطة فستسير الحياة بسلاسة، وإذا حصل التصادم فسيفكر أهل السلطة بسحق الرؤوس التي تحاول التفكير.
2- قصة الملك والساحر مع الغلام في قصة أصحاب الأخدود: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)البروج:8. فكان إعلان الملك للحرب على الغلام سبباً في إسلام قومه كلهم، في قصة طويلة ليس هنا مجال ذِكرها.
3-قول فرعون للسحرة: (آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ- لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف:123-124.
4-قصة نبي الله لوط عليه السلام مع قومه: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ- أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ- وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ- قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) الشعراء:164-167.
5-قصة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم مع قريش، فقد نصح عتبة بن ربيعة قريش بعدما سمع كلام النبي فقال: خَلّوا بَيْنَ هَذَا الرّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاَللّهِ لَيَكُونَن لِقَوْلِهِ الّذِي سَمِعْت مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كَفَيْتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ، فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ وَعِزّهُ عِزّكُمْ وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ. قَالُوا: سَحَرَك وَاَللّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ. قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ. ولم يكتفوا بانتقاص صاحبهم لأنه نصحهم بالمنطق والعقل وبما يوافق مصلحتهم، بل وبالغوا في إيذاء المسلمين وتعذيبهم بعد هذا الحوار.
فلما كان صلح الحديبية استمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى آخر رمق في طلب إقرار الحرية الفكرية لدعوته وهم يصرون على الصراع، فقال لبديل بن ورقاء الخزاعي: «إِنَّ قُرَيْشاً قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا (استراحوا)، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَهُ»، فلما حدث قريش بما قال النبي صلى الله عليه وسلم قَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ اقْبَلُوهَا. ولنا أن ننظر تركيز النبي صلى الله عليه وسلم على هدفه وطلبه الأساس في إقرار الحرية الفكر، فإن أصروا على الصراع فهو جاهز للحرب لإقرار الحرية الفكرية.
6- سلوك الغرب تجاه بعض الدعاة المسلمين الذين أصبح لهم تأثير على مجتمعاتهم الغربية.
7- إدراج الغرب وعملائه للدول وللحركات الإسلامية المعتدلة على قوائم الإرهاب. ومن يدري؛ فلعلهم إذا نجحوا في محاصرة الجماعات المعتدلة سينتقلون لإدراج الجماعات الإسلامية المتفلتة على قوائم الإرهاب أيضاً، مما يزيد أنصار العمل الدعوي، ويوسع ساحة الصراع.
إذن فالفكر الصحيح والعمل الدعوي المؤثِّر هو أساس الصراع الفكري الذي يلجأ له الفراعنة، وهما متلازمان طردياً، فكلما زادت قوة الفكر وزادت دائرة تأثيره كلما زاد الفراعنة قوة الصراع وزادوا رُقعته.
وهكذا…
– فكلما زادت قوة الفكر وزاد اتساعه كلما زادت قوة الصراع واتساعه.
– وكلما اتسعت ساحة الصراع كلما زاد الأشخاص الذين يسمعون عن الإسلام ويدخلون فيه، ويقفون مع دعوات العدالة والحرية الحقيقية.
– وكلما زاد المسلمون الفاعلون والمؤثِّرون كلما زادت شدة الصراع الذي يمارسه الفراعنة ضدهم.
– وكلما زادت شدة الصراع كلما زاد دفاع الحق عن نفسه في مواجهة إرهاب وإجرام الفراعنة.
– ويستمر دفاع أهل الحق والإسلام عن أنفسهم وعن الحق حتى تصبح الأرض لهم، فيتحول الفكر الإسلامي من مجرد فكر نظري يخاف منه الفراعنة، إلى قاعدة صلبة راسخة على أرض جديدة تسود فيها سلطة الإسلام وعدالته.
– وكلما زادت عالمية الفكر الإسلامي ونجحنا في عولمته، كلما زادت عالمية الصراع.
– وهكذا يتسع انتشار الفكر الإسلامي، فتتسع أرضه، حتى يصبح الإسلام عالمي الفكر، فيصبح عالمي الأرض أيضاً. وهكذا حتى يمتد الإسلام من الشرق إلى الغرب ويسود العالم.
وواجبنا نحن في هذا المجال هو عولمة الفكر الإسلامي والدفاع عنه، بعدد من الخطوات:
1- ازدياد عدد المنظمات والجماعات الفكرية المستقلة، والتي تصدح بالحق وبالدعوة الإسلامية الصحيحة دون إفراط ولا تفريط، وهذا سيدفع النظام العالمي الحالي -المتسلط والداعم للمتسلطين- لإعلان الحرب عليها عالمياً.
2- تحول الأفراد المسلمين داخل الغرب والشرق إلى منابر دعوية، وعدم كمونهم خوفاً على دنياهم ووظائفهم، وهذا سيدفع الحكومات لاتخاذ مواقف ضدهم لإرهابهم وإسكاتهم، مما سيثير شعوب تلك الدول للنظر في حقيقة الإسلام والسؤال عنه.
3- ظهور قنوات فضائية مختصة بالدعوة للإسلام وبحرفية جذابة، وتتكلم باللغات العالمية، فالفكر لا يكون عالمياً إذا كان محصوراً بحدود لغات بعينها. وهذا سيحول الفراعنة من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع عن النفس؛ لتبرير صدهم عن سبيل الله، ولتبرير محاربتهم وإسكاتهم لأصوات الجماعات المعتدلة.
الخلاصة:
إن الفراعنة كلما عولموا الصراع ضد الفكر أملاً في وأد الفكر الإسلامي الذي يتضخم ويتسارع، فإنهم ينقلون الإسلام إلى العالمية ويزيدون عولمته؛ لأن عولمة الصراع هو طريق عولمة الفكر الإسلامي وعالميته. وتبقى وظيفتنا وفرضنا وواجباتنا ومسؤولياتنا في نشر الفكر الإسلامي، فهل نحن نقوم بذلك كما يجب؟!!

اكتب رداً