المجلة الحميدية: التنظيمات الإسلامية السرية؛ بين المشروعية والإجرام

المجلة الحميدية العدد السادس_Page_01 المجلة الحميدية العدد السادس_Page_60 المجلة الحميدية العدد السادس_Page_61 المجلة الحميدية العدد السادس_Page_62 المجلة الحميدية العدد السادس_Page_63 المجلة الحميدية العدد السادس_Page_64 المجلة الحميدية العدد السادس_Page_65
بعد نزول قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة، ولم يعد جائزاً شرعاً كتمان هذه الدعوة أو الإسرار بها بعد نزول هذه الآية. والأمر صريح قطعي الدلالة، في نص قرآني قطعي الثبوت، وهذا يقتضي الوجوب، ويحرم المخالفة، ونخشى على إسلام من ينكر وجوبه.
ومن هذا المنطلق كانت جدتي تقول مثلاً قديماً: “الدين المخبأ قيمته صرماية (حذاء) عتيقة (بالية)”، قد يظن بعض الناس أن هذه العبارة ثقيلة، لكنها الواقع. فلم ينشأ عبر التاريخ أي تنظيم سري إلا وتبين فيما بعد أنه حركة باطنية لإفساد وتخريب دين المسلمين ودولهم.
بل حتى التنظيمات السرية الصالحة سرعان ما يتم اختراقها من قبل أجهزة استخبارات معادية للإسلام وتحولها إلى تنظيمات باطنية تستغل عاطفة الناس لهذا التنظيم، ثم تقوده إلى المجهول.
وحكم تحريم تأسيس التنظيمات السرية يشمل كل الدويلات الإسلامية دون استثناء، ويخرج عن هذا الحكم الدول التي تتصف بالأوصاف التالية مجتمعة:
– الدول غير المسلمة؛ لأنها لا غير ملزمة بالشريعة الإسلامية.
– التي يمثل المسلمون فيها أقلية؛ لأنهم إذا كانوا أكثرية فهي دولة إسلامية.
– التي يتم اضطهاد المسلمين فيها بسبب دينهم؛ لأنه مع عدم الاضطهاد يزول المانع، ومع زوال المانع يجب الالتزام بالنص.
فإذا تخلف أي وصف أو قيد من هذه القيود وجب الجهر بالحق والصدع به شرعاً.
فدعوتنا ودعوة الأنبياء لتوحيد الله تعالى والإيمان بنبيه صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما يستدعي الإخفاء والكتمان والسرية، وهي الدعوة التي تحمل لأجلها الصحابة الكرام كل أنواع العذاب، فإذا أخفاها الإنسان فإلى أي شيء يدعو إذن؟!!
لنقف بذلك أمام دعوى أن الدولة الإسلامية التي يقيمون فيها تحظر النشاط السياسي، بل ربما الديني ايضاً!!
وهذا يعني أن المجتمع لا يزال يفتقد للأساسيات والثوابت، ومن واجب الدعاة حينئذ أن يخفضوا من ارتفاع سقفهم ليتناسب مع الناس، وذلك من وجهين:
1- الوجه الأول دعوة الناس لما يطيقون؛ للحديث الذي روي عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ» [مسند أحمد]، وهو ما أكده علي رضي الله عنه بقوله: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» [البخاري].
2- الوجه الثاني التدرج في تطبيق التشريع عملاً بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، والذي روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» [متفق عليه].
وهذا لا يبيح بحال من الأحوال أن نذل، أو نخفي دعوتنا، ولا أن نخضع لعدونا وننافق، فهل توجد دولة إسلامية أو بلد إسلامي لا يستطيع الإنسان فيه الدعوة إلى لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإلى ما ورد في حديث معاذ؟!!
والتدرج في التطبيق وفي الدعوة لا يعني تغير أحكام ما نتأخر في الدعوة إليه أو في تطبيقه، فالفرض يبقى فرضاً والواجب يبقى واجباً، ونحن الدعاة أولى الناس في التزامه وعدم تركه.
هل يشمل الحكم كل التنظيمات والجماعات السرية؟
الحديث في هذا المجال عن التنظيمات الإسلامية الدينية، التي تمثل رأس التنظيمات الأخرى الفرعية، كالتنظيمات السياسية والعسكرية، فتلك التنظيمات الفرعية فالواجب عليها أن تعمل بما تقتضيه المصلحة الإسلامية العامة.
لكن يجب أن تكون تابعة إدارياً وتنظيمياً للتنظيم العلني الواضح الأهداف والواضح المبادئ.
ولا يشترط في هذه الحالة الإعلان عن هذه التبعية، بل ربما يشيع بين الناس تبعية هذا التنظيم العسكري لهذا التنظيم الإسلامي أو السياسي العلني الواضح الأهداف، لكن يتجنب الفريقان التصريح بالتبعية بشكل رسمي.
فهذا يعتمد على المصلحة، لكن يجب أن يكون التنظيم الأم معلن وواضح الأهداف. فنحن أمة دعوة، وهدفنا الأساس هو نشر تلك الدعوة وإفشاؤها، والسر والكتمان في ذلك مخالف لمقصود الأديان السماوية.
وفي هذه الحالة يتحمل التنظيم العلني الرئيسي كامل التبعات القانونية والأخلاقية والدينية للتنظيم الفرعي، ويتحمل كل مخالفة من مخالفاته.
هل يجوز الاحتفاظ في المشاريع الإسلامية بشيء من السرية؟
الأهداف والمبادئ يجب أن تكون واضحة كما بينت سابقاً، وكذا قادة هذا التنظيم أو الجماعة يجب أن يعرف الناس أشخاصهم وسيرتهم، أما الأمور التنظيمية والإجرائية فسريتها من ضرورات نجاح أي عمل، ففي الحديث المروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: «استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود» [رواه الطبراني وأبو نعيم والبيهقي وابن أبي الدنيا والعسكري].
فالسرية التنظيمية هي من خصوصيات العمل، كما أن كل عمل له خصوصياته، لكنها ليست في أهدافه أو مبادئه أو الأشخاص القائمين عليه. فإذا خرج هذا التنظيم ضمن أعماله عن أهدافه ومبادئه، فإنه سيفقد مصداقيته أمام الجمهور، عندما يلمسون نفاق هذا التنظيم وكذبه وخداعه.
حكم التنظيمات السرية في زماننا:
عند الحديث عن التنظيمات السرية التي لا نعرف أسماء القائمين عليها ولا تاريخهم، فيجب أن نفهم مسألة مهمة ومتفق عليها بين العلماء، وهي مسألة جهالة الراوي في علم مصطلح الحديث، فمعروف أن جهالة الراوي سبب لرد الحديث، وعدم عدالته أو ضعف ضبطه سبب لضعفه.
فكيف لنا أن نقبل بالتبعية لتنظيم كامل من المجاهيل، الذين لا نعرف: دينهم، ولا عدالتهم، ولا أخلاقهم، ولا علمهم فيما يعملون به داخل التنظيم. بل كيف نأخذ ديننا عن تلك التنظيمات ونحن نجهل القائمين عليها ونجهل تاريخهم؟!!
فلعلها تنظيمات مخابراتية أو جماعات باطنية، كجماعة عبد الله بن سبأ، وعبد الله القداح والبهائي وسليمان المرشد وغيرها.
وما الفائدة إذا عرفنا أصولهم وحقيقتهم بعد جيل أو جيلين وبعد زوالهم حين لا ينفع الندم؟!! وبعد أن يكونوا قد نخروا في نخاع وعصب الأمة الإسلامية؟!!
والأعجب من ذلك أن يتم إنشاء دولة وخلافة سرية بالكامل، فكيف يجتمع الأضداد في شيء واحد، فالدولة فيها الشوكة والقوة والظهور، فكيف يجتمع ذلك مع الخفاء والخوف والكتمان؟!!
ولا يحصل ذلك إلا في عالم النفاق!!
أم إنهم أنشأوا دولتهم على نية زوالها، فهم يحسبون حساب عودتهم إلى بلدانهم؟!!
ولكن لا عجب، فنحن في زمان الدجال الذي يسبقه دجالون، والدجال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وإِنَّهُ يَبْدَأُ فَيَقُولُ أَنَا نَبِىٌّ وَلاَ نَبِىَّ بَعْدِى، ثُمَّ يُثَنِّى فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ، وَلاَ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا» [ابن ماجة].
فليس كل من ادعى الصلاح أو ادعى الخلافة فهو على حق، فقد يكون من أعدى أعداء الإسلام، ولا تظنوا أن عدوكم سيحاربكم صراحة، ولن يقول: أنا كافر فاتبعوني. ولكنه سيدعي ما تحبون من الصلاح والجهاد والخير والحق، وسيتزيى بأحب الأشياء إلى قلوبكم وهو الإسلام والجهاد.
فانظروا إلى سيرته وعمله، فإذا جهلتم سيرته فهو وما جاء به مردود، حتى إذا خالف عمله شرع الله فيجب عليكم محاربته. وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: «إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة».
فما بالنا نترك علوم الشريعة ونترك الجوهر، ونتعلق بالمظهر الذي يتقنه المنافق أيما إتقان كذباً وزوراً؟!! إذ لا يعقل أن يأتي جاهل متعالم مغمور مجهول بما خفي علمه على عامة المسلمين والأمة الإسلامية.
التنظيمات العسكرية السرية:
يجب شرعاً أن تتبع التنظيمات العسكرية لتنظيمات علنية واضحة الأهداف هذا بصفة عامة.
أما على أرض الشام على وجه الخصوص فيجب أن ترتبط بالقيادة العسكرية العلنية، فتكون تابعة ولا تكون متبوعة باتفاق، وهذا للأسباب الشرعية السابقة التي بيناها، ولأسباب تنظيمية أيضاً، فجهاز المخابرات السري يتبع لجهاز الجيش أو لوزارة الدفاع العلنية، وليس العكس.
وبالتالي يتحمل التنظيم السري وحده تبعات العمليات التي يجب عليه فعلها وهي خارجة على القانون المحلي أو الدولي، وعندها يتم عزل مدير هذا التنظيم واستبداله بغيره، ويتم إسكات الجهات الدولية والقانونية باعتباره خطأ فردي.
لا أن يتعرض كامل الجيش وكامل الدولة أو كامل مصير الجهاد والأمة لكوارث دولية وحرب عالمية ودعاوى قضائية بسبب بعض عمليات هذا التنظيم، وما ذلك إلا لمجرد عناد زعيم التنظيم ورغبته في الحكم والزعامة، أو لتعصبه لجماعته وتنظيمه الذي يحبه.
فهذه العنجهية والاستعلاء والتفرد بالقرارات والانعزال عن صف المسلمين وجماعتهم يخرب في هيكل الدولة أيما تخريب، ويتسبب في تصدعات وتعارضات في العمل، ستؤدي في النتيجة إلى فتنة وحرب أهلية داخلية بين المسلمين أنفسهم، إن لم تكن أدت إلى ذلك بالفعل.
وهذا الكلام ليس رأياً شخصياً ولا اجتهادياً ليكون خاضعاً للأخذ والرد، ولكنه أمر قطعي كما ذكرنا في الأدلة السابقة بشأن التنظيمات بشكل عام. أما فيما يتعلق بالتنظيمات العسكرية فهو حكم شرعي مبني على النصوص أيضاً وعلى المصلحة المرسلة، فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم العيون، وأرسل السرايا العسكرية السرية، وأرسل مجموعات اغتيال سرية. لكنها جميعاً كانت تتبع للقيادة العلنية المعروفة الواضحة الأهداف.
ولم يرد في السيرة ولا في النصوص ما يدل على خلاف ذلك.
أما من حيث المصلحة فنراه واضحاً في تشرذم المجاهدين على أرض الشام، في مقابل تغلب الحكومة التركية الشرعية على الانقلاب الذي كانت تقوده بعض التنظيمات السرية.
وهنا يجب أن نؤكد مرة أخرى على أنه لم تظهر حركة سرية إسلامية واحدة عبر التاريخ الإسلامية غير الحركات الباطنية التي تدعي الإسلام كذباً وزوراً ونفاقاً كما سبق.
الحركات التي لا تستطيع الإعلان عن نفسها:
الحركات السياسية التي لا تستطيع الإعلان عن نفسها خوفاً من الإبادة والاستئصال من الحكومات يجب عليها أن تتحول المبادئ والأساسيات، قبل أن تخوض في السياسة والحكم؛ لأن مجتمعها غير مهيأ للحكم، ولا يملك قوة لتحمل تبعات هذا الحكم، فإذا ظهر فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيحاربونه لأنه يخالف مصالحهم، وسيقتلونه. وأنت حينئذ بحاجة لمزيد من الدعوة التي تشبه المرحلة المكية، حتى تمتلك قاعدة شعبية قادرة على حمل الأمانة.
وأنت بحاجة للدعوة إلى الأساس وهو الإيمان بالله واليقين به وتفضيله وتفضيل أوامره على الهوى ومصالح النفس. أي إنك بحاجة لتحكيم الشريعة على النفس، قبل الدعوة لتحكيم الشريعة على مستوى الدولة، وقبل الحديث عن الخلافة وتحكيم الشريعة على مستوى العالم الذي لا نسيطر عليه حتى الآن، ولا يسيطر عليه أدعياء الخلافة الكاذبة.
لا أن تنشئ دولة مخابراتية تحكم الناس بالقهر، فهي مبغوضة لهم بسبب ضعف إيمانهم. ومبغوضة من الله؛ لأنها حكم جبريٌ، وليست خلافة راشدة كما يدعي القائمون عليها!!!
الخلافة الحقيقة سيقف معها جميع الشعوب المسلمة؛ لأنها صادقة لا تكذب، وتفي بالعهد والوعد ولا تغدر، ولا تكفر الشعوب المسلمة بالجملة، وتنصر المظلوم ولا تقتله، وتعين على نوائب الدهر، ولا تظهر لتخرب الجهاد ثم تختفي مرة أخرى!!!
هل من الحكمة إعلان مشاريع: الخلافة، تطبيق الشريعة، إقامة الحدود..؟
هل تعرف المثل: “تزبب قبل أن يتحصرم”، يعني صار زبيباً قبل أن يصير حصرماً؟!!!
الشعارات الكبيرة الرنانة قبل وقتها هي شعارات الجهال والدجالين!!!
ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
والذي يقع في ذات الخطأ عشرات المرات ولا يتعلم من خطئه فهو – إذا أحسنا الظن به – كالثور الذي يخور كلما سمع صياح الناس من حوله، أو كلما تعرض للضرب منهم، وإذا أسأنا الظن به فهو عميل خائن لله والرسول يريد إفساد مشروع الأمة باستعداء العالم عليها كلما حصل انتصار صغير.
إذا كان هؤلاء الناس لا يستطيعون اقتلاع بسمار صغير للغرب اسمه بشار في ديارنا الصغيرة التي هي بلاد الشام، فعن أي خلافة يتكلمون، تلك الخلافة التي يجب أن تكون على كامل العالم الإسلامي!!
ومع ذلك فهم يعلنون الخلافة متخفين خوفاً من بلدانهم الأصلية على أمل الرجوع إليها!! فأين عزة الدولة الإسلامية؟ وأين عزة الخلافة؟ بل أين عزة الإسلام؟!!
لقد أصبحوا كالذي يحلف بالطلاق ثلاثاً على امرأة لم يتزوجها بعد، وفي ذلك مثل عامي سيء لا يحسن قوله!!!
لقد خطط النبي صلى الله عليه وسلم وعمل، ووصل بعد عشرات السنين. ولكنه لم يهاجم العالم، ولم يتوعد، ولم يعلن إلا ما هو قادر على تحقيقه فعلاً.
ارتباط التنظيمات بالخارج تنظيمياً أو مالياً:
الارتباط التنظيمي العلني بالخارج بغرض التخطيط الاستراتيجي لا يضر إذا كانت الجهة الخارجية علنية معروفة بكل أشخاصها ورموزها، وواضحة الأهداف.
أما الارتباط التنظيمي بالخارج على مستوى العمليات على الأرض، وتدخل الجهة الخارجية بالتفاصيل، فهو سبب خراب الجهاد الشامي حالياً والعياذ بالله تعالى، وهو سبب اختراق الدول الغربية لدولنا الإسلامية عن طريق هذه التنظيمات، والتي وصلت في بعض الدول الإسلامية إلى الحكم وأصبحت عميلة للغرب بشكل كامل.
أما مالياً، فالمعارك الحالية تعجز عن الإنفاق عليها دول، وتنهار بسببها دول، فمن الطبيعي أن يتدفق المال من الخارج لدعم الجهاد الشامي، وهذا ليس سبباً للردة ولا العمالة كما يدعي بعض الجهال.
التنظيمات السرية المتشددة واستقطاب الشباب:
لماذا تستطيع تلك التنظيمات استقطاب الشباب بينما تعجز عن ذلك التنظيمات العلنية المعتدلة؟
والجواب: أن التنظيمات السرية تملك خطاباً حماسياً بليغاً يدغدغ العواطف، وهو الذي حذر منه صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» [مسند أحمد]. والنتيجة واحدة فيما إذا كان منافقاً عليم اللسان، أو جاهلاً عليم اللسان. بينما نجد كبار المعتدلين لا يستطيعون الموازنة بين الحماس في الخطاب والاعتدال في الأفكار؛ فبعضهم يملك حماساً تضيع معه كل العلوم، فيميل إلى الإفراط أو التفريط ويشطح، وآخر يظن أن الاعتدال يشترط فيه السكينة والوقار، فلا تتجاوز كلماته فمه.
ويسهى عن أنه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ [مسلم]

اكتب رداً