المجلة الحميدية – هل يصح وصف المنافق بـ "العَالِم"؟!

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86_page_01 %d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86_page_02 %d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86_page_07 %d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86_page_08 %d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86_page_09 %d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%85%d9%86_page_35
قال تعالى في المنافقين: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المجادلة: 16، المنافقون: 2]، واليوم لم يعد المنافق بحاجةٍ للأَيْمان المغلَّظة التي يدَّعي فيها أنَّه مسلمٌ، فيكفيه أن يلبس عمامةً وجبَّةً، أو أن يطيل لحيته، أو أن يحصل على شهادةٍ عاليةٍ في العلوم الشَّرعيَّة؛ ليتكسب بها، وليحلَّ الحرام ويحرِّم الحلال، ليجد بعد ذلك شياطين الأرض تُنفق عليه وتُبرزه لينشر ترَّاهاته وسفاهاته.
وعصرنا العجيب الذي جمع بين وقوع العلم بيد المؤمن والمنافق عن طريق التقنية، وبين انتشار الجهل في آنٍ واحدٍ نتج عنه اختلاط الحابل بالنَّابل، وعدم تمييز عوام النَّاس بين الحنطة والبرسيم، فأصبحوا يخلطون بين العلم الذي يتَّصف به الكافر والمنافق أيضًا، وليس المسلم فقط، وبين الإيمان الذي هو دعوة جميع الأنبياء، وهو الركيزة لقبول العلم وأخذه من الإنسان.
إبليس عالم فهل يجوز اتباعه؟!
لا يزال إبليس من يوم خُلِقَ آدم عليه السَّلام إلى زماننا هذا يَستدرج النَّاسَ إلى الضَّلال، ويناظرهم، ويُعلِّمهم شرائعهم، ويدخل لهم الشَّك فيها، فهو عالم بها، بل وعالم بوجود البعث فقال: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، وعلم بقلة شكر بني آدم من أول أيام حربه عليهم، فقال: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 14، 17]، وزاد على ذلك بأنَّه يوسوس بالخواطر ودقائق الأمور، وهذا يدلُّ على علمه بدقائق المسائل.
فلو كان مقياس الاتباع بعلم المخلوق، لكان إبليس أولى الخلق بالاتباع، فهو أغزرهم علمًا، وأعظمهم حنكةً ودهاءً في الغواية.
لكنَّنا نَتَّبِع الخالق، وهو لم يأمرنا باتباع الأشخاص، وإنَّما أمرنا باتباع أمرين لا ثالث لهما:
الأوَّل: اتباع الشَّرائع المنزلة، فقال: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 3].
الثَّاني: اتباع الرُّسل، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: 157]، وكما جاء على لسان النَّاصح حين قال: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس: 20-21].
وصدق الشَّاعر إذ يقول:
إبليس أعلمُ أهلِ الأرض قاطبةً     والله يلعنُه والبدوُ والحضرُ
وقال آخر:
ولو كان في العلم دون التقى شرفٌ        لكان أشرفَ خلق الله إبليسُ
اغترار الجهال باتباع الأشكال:
ومع ذلك نجد بعض النَّاس في زماننا مُغْرَمٌ باتباع بعض رؤوس النِّفاق في زماننا، ويتفاخرون بالتقاط الصُّور معهم، ويجاهرون بحبهم واتباعهم.
يغترُّون بجاههم وشهرتهم التي صنعتها وسائل إعلام الفراعنة، بعد أن نصَّبهم الفراعنة في مواقعهم التي هم فيها، فأصبح النَّاس كمن يتصوَّر بجانب صنمٍ أو وثنٍ بوذيٍّ وهو يتفاخر بحبِّه واتباعه، كيف وقد قال الله تعالى فيهم: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ [المنافقون: 4].
فإذا جادلتهم في ذلك قالوا: هو عالم!!
فهلا تصوَّروا بجانب حواسيبهم واتبعوها، فهي أغزر علمًا من تلك الأصنام، ولعلَّها تكون أتقى لله من شياطين الإنس الذين يحلُّون الحرام ويحرِّمون الحلال ويفسدون في الأرض بشكلٍ فجٍ واضحٍ مفضوحٍ.
وهلَّا تصوَّروا مع إبليس فهو أعلم من هؤلاء وأشدُّ إفسادًا في الأرض، وهو سيِّد هؤلاء وزعيمهم الذي يتَّبعون، فلما يتَّبع بعض النَّاس الفرع ويتركون الأصل؟!
بل هلَّا اتَّبعوا عبد الله بن أبي بن سلول، فقد كان “صبيحًا جدلًا” [تفسير ابن أبي حاتم (8/2445)]، وكان “لا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ فِي شَرَفِهِ مِنْ قَوْمِهِ اثْنَانِ، لَمْ تَجْتَمِعْ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ… وكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ ثُمّ يُمَلّكُوهُ… فَلَمّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الإِسْلامِ ضَغِنَ وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا. فَلَمّا رَأَى قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلاّ الإِسْلامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا، مُصِرّا عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ” [سيرة ابن هشام (1/583)].
فما لهؤلاء القوم يتركون الإسلام ليتبعوا عبد الله بن أبي بن سلول في زماننا، مغترِّين بمظهره وعلمه وفصاحته وقوَّة جدله وسلطته ومنصبه وشرفه في وسائل إعلام الفراعنة وما إلى ذلك من المظاهر الخادعة.
فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ” [أحمد].
ما يجب علينا تجاه المنافق المتعالم:
ما يقوم به الجهَّال في زماننا تجاه هؤلاء المنافقين يخالف كلَّ ما أمرتْ به النُّصوص وجاءت به، فالنُّصوص الشَّرعيَّة وضعت لهم وسيلةً خاصَّةً للتَّعامل تليق بهم وتحجم نشاطهم في المجتمع وتقلل إفسادهم بين النَّاس، وفيما يلي مجموعةُ من التوجيهات الشَّرعيَّة في ذلك:
1- الإعراض عنهم في محاضراتهم وندواتهم ولغوهم وكلامهم العلمي الذي لا إفساد فيه.
2- وعظهم وزجرهم فيما فيه فساد وإفساد من قولهم، قال تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا﴾ [النساء: 63].
3- عدم تعظيمهم: لا كما يفعل بعض النَّاس في زماننا، مخالفين بذلك نهيَ نبيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قَالَ: “لا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدُنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدَكُمْ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ” [أحمد:38/22].
4- عدم مجالستهم ومؤانستهم وهم يخوضون في علوم الشَّريعة، ومجالس هؤلاء المنافقين المتعالمين كلها خوض في آيات الله بالباطل، فقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 68]. قال ابن عطاء الله السكندري: “ومما تمادى عليه أهل الزَّمان مباسطتهم ومؤانستهم للعاصين، ولو أنَّهم عبسوا في وجوههم لكان ذلك زاجرًا لهم عن المعصية” [تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس].
5- الحذر من كلِّ كلمةٍ ينطقون بها، فهي إمَّا للإفساد، أو تحريف الشَّرائع، أو تثبيط المجاهدين، أو بثِّ الفتنة بين المسلمين، فقد قال عزَّ وجلَّ: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4].
فكيف بمن يأخذ عنهم الدِّين والشرائع، ويزيد على ذلك بأن يصفهم بـ “العلماء”؟!
صفات المنافق الذي يتكسب بالعلم:
إذا تقرَّر وجوب اعتزال المنافقين وعدم تعظيمهم والحذر منهم وزجرهم، فيبقى بيان صفاتهم التي نعرفهم ونميِّزهم بها، وفيما يلي بعض تلك الصِّفات التي وردت في الكتاب والسُّنة، ونراها كثيرًا في عصرنا هذا:
1- كثرة فتاويهم الشَّاذة والمخالفة للأحكام الرَّاسخة الثَّابتة، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران:7]، فإذا جهل معنى آيةٍ لم يردَّها إلى الله، وإنَّما أوَّلها بما يرضي شيطانه وهواه، بل بما يرضي به فرعونه الذي أشهره وولاه، فيبيع دينه بدنيا غيره، وعلامة الفتاوى الضَّالة: شذوذها وكثرة اللَّغط فيها بين النَّاس، ولو ظهرت على لسان الحكيم العالم، فكيف إذا ظهرت على لسان المنافق الموالي للظَّالمين وأهل الكتاب؟! وكيف إذا كانت فتاويه كلُّها شاذَّة لنُصرة من أعلنوا الحرب على الله ورسوله؟! فعن يَزِيد بْن عُمَيْرَةَ، أن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه قال يَوْمًا: “إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ، وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ؛ حَتَّى يَأْخُذَهُ: الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ، فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ: مَا لِلنَّاسِ لاَ يَتَّبِعُونِى وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ؟! مَا هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ. فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ، فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلاَلَةٌ. وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلاَلَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ. قَالَ يزيد: قُلْتُ لِمُعَاذٍ: مَا يُدْرِينِي رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ؟ قَالَ: بَلَى؛ اجْتَنِبْ مِنْ كَلاَمِ الْحَكِيمِ الْمُشْتَهِرَاتِ، الَّتِي يُقَالُ لَهَا: مَا هَذِهِ، وَلاَ يُثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ. وَتَلَقَّ الْحَقَّ إِذَا سَمِعْتَهُ، فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا” [أبو داود:4/202].
ويوضِّح لنا هذا الأثر حالةً أشبه ما تكون بزماننا، وهي سهولة تداول الآيات والأحاديث والفتاوى، حتَّى صار كلُّ إنسانٍ يُفتي ويطلق الأحكام الشَّرعيَّة، ولا ينقصُه إلَّا عمامةٌ وجبَّةٌ ولحيةٌ، ليظهر بذلك أنَّه عالم الثَّقلين، فإذا استضافته قنواتُ الضَّلال والإفساد، كالعربيَّة وMBC وروتانا، وأخواتها، فقد أصبح حجَّة دينيَّةً عند روُّاد هذه القنوات ومن كان على شاكلتهم من رعاع الناس وطغماهم.
فتجد هؤلاء المنافقين يفتون بجواز أو وجوب قتل المسلمين، ووجوب طاعة الحاكم في معصية الله، وإباحة دخول الصَّليبيين إلى بلاد الإسلام لقتل المسلمين.
2- يميلون إلى الظَّالمين والكفار خوفًا وطمعًا؛ خوفًا من غضبهم، أو طمعًا في دنياهم، ولو اعتزلوا لسلموا وسلم النَّاس من فتاويهم التي ينصرون فيها الظَّالم، ويوالون فيها الكافر، قال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ [المائدة: 52]، و عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “تَكُونُ أُمَرَاءُ تَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ أَوْ حَوَاشٍ مِنْ النَّاسِ يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَيُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَيُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ” [الترمذي وأحمد واللفظ له].
فكيف بمن يوالي أعداء الله حتَّى أنَّه يصف الحكام الباطنية والرَّوافض بالصَّلاح، ويؤيد دخول الرُّوس إلى بلاد الإسلام لسفك دماء المسلمين، ويتباهى بذلك بين النَّاس؟!
وكيف إذا تجاوز وقوفه مع الظَّالم في ظلمه، إلى وقوفه معه في سفك الدِّماء، وانتهاك الأعراض، وهتك الحرمات واستحلالها، وفي أنواع الموبقات؟!
وشتان بين الظُّلم الذي هو تجاوز الحد، وبين استحلال سفك الدِّماء وانتهاك الأعراض والصيال على النَّاس، والذي هو من الكفر البواح والعياذ بالله تعالى إذا استشرى.
3- يفتون بإباحة المنكرات، كالعُري، والدَّعارة، ويبيحون بيع الخمور، ويتذرَّعون لذلك بتشجيع السياحة، وينهون النَّاس عن الأمر بالمعروف، ويعدون المطالبة بالشَّريعة سلميًّا من الخروج والبغي، وأولئك قال تعالى عنهم: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67].
وزادت الآية صفةً أخرى، وهي إمساكهم عن الإنفاق في أنواع الطَّاعات.
4- يفرون من الجهاد، ويخافون الموت، ويتحاشون الخوض فيه خوفًا من أن يطالبهم به أحدٌ، فقال الله عزَّ وجلَّ فيهم: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾ [آل عمران: 167].
ومن أعجب ما يتذرع به بعض هؤلاء كلامهم في التَّصوف والجهاد الأكبر (إصلاح النَّفس)، وتقديمه على الجهاد الأصغر، مع أن دفع الصائل الذي تعيشه الأمَّة اليوم هو فرضُ عينٍ مـمَّا يجب دون إذنٍ من إمامٍ أو والدين، وهو متعين على كلِّ مسلمٍ؛ صالحًا كان أو فاسدًا، وكأنَّهم لم يسمعوا بعبد القادر الحسيني والسنوسي وعمر المختار وغيره من قادة الحركات الصُّوفية الذين قادوا الحركات الجهاديَّة ضدَّ الاحتلال، فهل تختلف صوفيَّة هؤلاءِ عن صوفيَّة أولئك؟!
5- تثبيط المسلمين عن الجهاد، والتَّوهين من عزائمهم، لتبرير قعودهم هم عن الجهاد، فهم: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران: 168]، فالله المستعان على ما يصفون.
6- يكفِّرون المسلمين، ويُدخلون أقواماً في الإسلام، ويخرجون آخرين منه، وهم مستوطنون في دار الكفر، مستأنسين فيها، وقد قال الله تعالى فيهم: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: 89].
انظر إلى علم الرجل وتقواه:
فانظروا عباد الله في دين الرَّجل وتقواه، قبل أن تنظروا في مقدار علمه، فلعلَّ علمه يكون سبب تهلكته وتهلكتكم، إذا كان لا يخاف الله في نفسه وفيكم. فقد روي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: “إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ” [مقدمة صحيح مسلم:1/14].
وتذكروا أن الذي يقف في صفِّ الظَّالم الباطني الخائن لله والرسول فهو مثله: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]، فلا يجوز أن نصفه بالإيمان والإسلام والسيادة، فكيف نصفه بـ “العالم”؟! وكيف نأخذ ديننا وشرع ربِّنا عن منافق باع دينه لموبقات غيره، وأباح لروسيا وأمريكا وأوروبا قتل المسلمين تزلفًا للحاكم الباطني، أو تزلفًا للحاكم العميل الموالي لليهود والنَّصارى؟!!
وآخر ما أختم به موعظة الله للمؤمنين، والتي قالها بعد ذكر مسارعة المنافقين في الكافرين والظَّالمين، وميلهم إليهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54].

اكتب رداً